مقالات

المنهج الصحيح في إدارة موارد الدولة

أن الإصلاح في البلد لا يقتصر على سن قوانين وتعديل تشريعات وتنظيم الأمور السياسية. ولا إيضا على الإصلاح الاقتصادي والأجتماعي

أن الإصلاح الحقيقي هو إصلاح منهج الدولة في التعامل والتعاطي مع الملفات المختلفة. فالقوانين والتشريعات هي ما تحدد قالب المنهج الذي سيتبع

ولكن نجد أن كل ذلك غير كافي، فالعقلية هي أساس المنهج، فعقلية المسئول هي ما تجعله يتفاعل مع القوانين والتشريعات بالشكل المطلوب لخلق منهج مثمر

نجد أن البحرين بالذات وتتبعها دول الخليج العربي تنتهج منهج التكلفة على منهج القيمة، وللتبسيط نجد أن سياسة ومنهج الدولة أنها تنظر للأمور بتكلفتها وليس بقيمتها. فما هو الفرق بين منهج التكلفة ومنهج القيمة؟

على سبيل المثال حرق كمية من الغاز الطبيعي بتكلفة دينار للإضاءة قيمتها على المردود العام أقل من حرق نفس الكمية من الغاز للصناعة

فدينار الغاز عندما يحرق على سبيل المثال لأنتاج الألومنيوم يعطي مردود مادي وأثر اقتصادي اكبر بكثير من حرقه للإضاءة

وهنا نجد انه اذا تم استخدام مصدر بديل للطاقة للإنارة كالطاقة المتجددة مثلا نستطيع تحويل جزء من موارد الغاز للصناعة

نأخذ مثال أبسط؟ البحرين تحرق كمية كبيرة من الغاز يوميا لإنارة الشوارع، وعندما يسأل المسئول يقول ذلك أرخص من تزويد كل أعمدة الإنارة مثلا بلوحات الطاقة الشمسية، فأن فعلنا ذلك لن نسترجع استثمارنا الا بعد ٣٠ عام

هذا الرد يكشف عن عقلية منهج التكلفة وليس القيمة. فعلا أن التكلفة عالية، ولكن عندما تحول موارد الغاز للصناعة ستأتي بمردود أضعاف أضعاف قيمة التكلفة، وستخلق فرص عمل أكثر وستزيد من كمية المال المتداول في الاقتصاد المحلي

وعندما ننظر للموضوع من جانب النمو الأقتصادي، نجد بأن تحويل الغاز للصناعة سيؤدي لزيادة الإنتاج مما يعني زيادة في الصادرات

فينعكس ذلك على حجم نمو الأقتصاد لأن سيزداد ميزان المال الذي يدخل الأقتصاد مقابل المال الذي يخرج من الاقتصاد

النمو الاقتصادي هو الفرق بين المال الداخل لاقتصاد الدولة والمال الخارج منها. فأن كان الفرق موجب يعني الاقتصاد في نمو، وأن كان سالب يعني الاقتصاد في تراجع

وبسبب ذلك نجد أن منهج التكلفة يضر الاقتصاد اكثر من منهج القيمة، ولا يمكن الالتفاف على ذلك لأن الموارد محدودة

وبما أن الموارد محدودة فيجب توجيهها للقيمة وليس التكلفة

قد يأتي احد ويقول الفكرة ممتازة ولكن لا نمتلك الميزانية مثلا لقلب نظام إضاءة الشوارع لطاقة متجددة، فذلك مكلف جداً

نستطيع فعل ذلك مجانا! كيف؟
نأتي للمصانع التي تطلب حصص غاز للتوسعة او من يريد ان يحصل على حصة غاز ليفتح مصنع أيا كان

على الدولة أن تقول له أنت تريد هذه الكوتا من الغاز اي هذه الكمية يوميا فعليك بتوفير وسائل طاقة متجددة تعادل هذه الحصة او جزء منها حسب المتاح. مثلا تزويد عدد من عواميد الإنارة بألواح الطاقة الشمسية ونظام إضاءة أل أي دي تعادل هذه الكمية من الغاز، فنوفرها ثم نحول هذا التوفير من حرق الغاز له

وبذلك نكون أعدنا توزيع موارد الدولة حسب القيمة المردودة على الناتج القومي دون استثمار دينار واحد او كأضعف الإيمان بأقل تكلفة ممكنة

هذا مثال واحد والأمثلة لا تنتهي هناك أمثلة في الصيانة، وأمثلة في سلة الصناعات، وغيرهما الكثير

منهج التكلفة مقابل القيمة يمتد ليصل للمواطن نفسه وتأهيله فهو لا يقف عن صناعة او مصرف، حتى بناء الخبرات يعتبر منهج موجه للقيمة

ان هدف هذا المقال هو ان يتوقف المسئولين من العد على أصابعهم كم سيكلف الأمر وأن ينظروا بنظرة شمولية أكبر وهي القيمة الحقيقية للأمر المقصود

وهذا المنهج من الصعب خلقه في البحرين بسبب استقلالية الوزارات وميزانياتها. فكل وزير على سبيل المثال لديه ميزانيته ومصروفاته والتزاماته، فيحاول أن يؤدي التزاماته بأقل تكلفة لأن ميزانيته نوعا ما محدودة

وعند توجبه موارد هذه الوزارة على سبيل المثال للقيمة وليس التكلفة نجد أن المستفيد قطاعات أخرى. فيكون الوضع أن هذه الوزارة زادت مصاريفها وأخرى استفادت من ذلك

وهذا الأمر يشكل عقبة في إدارة موارد الدولة، ولذلك اقترح إنشاء مجلس او هيئة للدراسات والبحوث والتطوير تنسق بين كل الوزارات، ومخصص لها ميزانية عامة وتكون هي المسئولة عن تطوير قطاعات الدولة بتوجيه الموارد نحو قيمتها وليس تكلفتها

فبذلك تستقطع من ميزانيات الوزارات المبالغ المخصصة للتطوير وتوضع تحت صرفة هذا المجلس او هذه الهيئة

وطبعا يجب ان تكون هذه الهيئة مكونة من الخبرات الوطنية والإستشارات العالمية وتقع تحت صلاحية المجلس المنتخب في الرقابة والمحاسبة

وبهذه الطريقة نكسر عقلية التكلفة ونبني عقلية القيمة والتي ستغير المنهج في إدارة موارد الدولة

قياسي

أضف تعليق